الجمعة 31 يناير 2025 02:57 صـ 1 شعبان 1446 هـ
قضية رأي عام
رئيس مجلس الإدارة هشام ابراهيم رئيس التحرير محمد صلاح
Embedded Image
×

ترامب: من القرارات المتسرعة إلى العواقب الكارثية... هل يقود العالم نحو المجهول؟

الجمعة 31 يناير 2025 01:39 صـ 1 شعبان 1446 هـ

سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تثير جدلاً مستمراً، مما يطرح تساؤلات حول كفاءتها على الصعيدين الداخلي والخارجي. إدارته تُتهم باتخاذ قرارات متسرعة ودون دراسة كافية لتبعاتها، مثل تعليق ترامب على رفض مصر والأردن تهجير الفلسطينيين من غزة، حيث قال إن الدولتين "عليهما فعل ذلك" بسبب الدعم الأمريكي المقدم لهما. هذا التصريح تجاهل بشكل واضح سيادة البلدين والمواقف التاريخية لهما، لينضما إلى قائمة طويلة من الدول التي تعرضت لضغوط مستمرة من ترامب، الذي يستخدم الاقتصاد كورقة ضغط على حلفاء الولايات المتحدة في مواجهة ممانعتها أو رفضها سياساته.

في هذا السياق، يعرض الكاتب الأمريكي ديفيد بروكس في صحيفة "نيويورك تايمز" تحليلًا للنهج الذي تتبعه إدارة ترامب، واصفًا إياه بـ"الغباء السياسي". بروكس يشير إلى أن هذه الإدارة تتسم باتخاذ قرارات غير مدروسة تؤدي إلى عواقب كارثية، ما يضطر ترامب إلى التراجع عنها لاحقًا. ورغم أن بروكس لا يشكك في ذكاء أفراد الإدارة، إلا أنه يرى أن الذكاء لا يحمي من اتخاذ قرارات "غبية"، مستندًا في تفسيره إلى المؤرخ الإيطالي كارلو سيبولا الذي يرى أن الغباء ليس مرتبطًا بمستوى الذكاء، بل يظهر في التصرفات التي تؤدي إلى نتائج كارثية دون إدراك للعواقب.

ويستعرض بروكس عددًا من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة ترامب في فترة قصيرة، مثل التهديد بفرض رسوم جمركية جديدة على كندا والمكسيك، وهي خطوة كان من شأنها زيادة التضخم داخل الولايات المتحدة. كما يسلط الضوء على محاولة إجراء تطهير واسع في القطاع الحكومي دون دراسة لآثار ذلك على كفاءة العمل الحكومي. ومن أبرز القرارات التي يناقشها قرار تجميد الإنفاق الفيدرالي على بعض برامج الدعم، وهو ما أثار حالة من الفوضى، حيث أصبح مرضى السرطان في المعاهد الوطنية للصحة غير متأكدين من استمرارية علاجهم، وأصبح مسؤولو برامج التعليم لا يعرفون إن كان بإمكانهم الحصول على التمويل الفيدرالي، فضلًا عن غموض مصير ميزانيات الشرطة والمدارس والبنية التحتية. وبرأي بروكس، هذا القرار كان بمثابة "علاج حب الشباب بقطع الرأس"، لأن الإدارة لم تدرس العواقب المتوقعة لهذه الخطوة، وعندما بدأت العواقب السلبية تتضح، اضطر ترامب إلى التراجع عنها.

بروكس يحدد ستة مبادئ لفهم ما يسميه "الغباء السياسي" في إدارة ترامب. أولها أن الغباء يؤدي إلى الارتباك أكثر من التسبب في خلافات أيديولوجية، مستشهدًا بالفوضى التي نتجت عن قرارات التجميد الحكومي. ثانيها أن الغباء غالبًا ما يكون متجذرًا في المؤسسات وليس الأفراد، حيث يؤدي وجود سلطة مركزية مطلقة دون نقاش حقيقي إلى قرارات خاطئة. ثالثًا، أن الأشخاص الذين يتصرفون بغباء قد يكونون أكثر خطورة من الأشرار، لأن الأشرار لديهم على الأقل إدراك لمصلحتهم الذاتية، بينما يتجاهل الحمقى العواقب تمامًا. رابعًا، أن الأشخاص الذين يتخذون قرارات غبية غالبًا لا يدركون مدى غبائهم، مستشهدًا بتأثير دانينج-كروجر الذي يشير إلى أن الأشخاص غير الأكفاء يفتقرون إلى القدرة على إدراك عدم كفاءتهم. خامسًا، صعوبة مواجهة الغباء، لأن القرارات غير العقلانية تثير الدهشة وتجعل من الصعب التنبؤ بها أو مناقشتها بعقلانية. وسادسًا، أن نقيض الغباء ليس الذكاء بل العقلانية، حيث يميل الشعبويون إلى تجاهل الخبرة والمنطق لصالح العاطفة والانحيازات الشخصية.

في الختام، يعبر بروكس عن تعاطفه مع أهداف التيار الشعبوي الذي أوصل ترامب إلى السلطة، لكنه يرى أن هذا التيار بدأ يلحق الضرر بنفسه وبالآخرين عبر سياسات غير محسوبة، وهو ما يصفه بـ"الغباء".