الإمام الطيب من خلال برنامجه: المغالاة في المهور جعلت من الزواج أمرا بالغ الصعوبة
سماح رضا قضية رأي عامذكر فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين اليوم الاربعاء، إن من ضمن المصالح المعتبرة التي ضاعت على المرأة بسبب عادات المجتمعات وتقاليد الشعوب فضلا عن تعارضاتها مع أحكام المرأة في شريعة الإسلام صراحة أو تورية: مسألة «المغالاة في المهور»، والتي صمت العلماء صمتا مريبا عن ترسخها وتأصلها وتجذرها في عادات الناس، حتى صارت العقبة الكؤود في قضية الزواج، وقد كان من واجب العلماء والدعاة أن يتصدوا لمقاومة هذه الظاهرة، وأن يضربوا الأمثال للناس بأنفسهم وأولادهم وبناتهم، لحملهم على التخلص من هذه الظاهرة التي جعلت من «الزواج» أمرا بالغ الصعوبة.
وكشف شيخ الأزهر خلال حلقته الرابعة عشر ببرنامجه "الإمام الطيب"، والتي جاءت تحت عنوان:" غلاء المهور"، أن في هذه المسألة تطالعنا نصوص شرعية أصيلة أسدلت دونها ستائر النسيان حتى صارت من قبيل المتروك أو المسكوت عنه، سواء منها ما تعلق بيسر المهور، وتجهيز بيت الزوجية وتأثيثه، والاكتفاء فيه بأيسر الأشياء وأقلها قيمة، أو ما يتعلق بفلسفة الإسلام في قضية المهر، التي جعلت منه رمزا يعبر عن الرغبة القلبية في الارتباط، وليس مظهرا من مظاهر السفه أو البذخ والمباهاة، ومن فلسفة الإسلام في هذا الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في قيمة «المهر» إلى ملء الكف طعاما، أو إلى خاتم من حديد، أو نعلين، بل اكتفى فيه بأن يعلم الزوج زوجته سورة من القرآن ولو من قصار السور، ولم يكن ذلك منه صلى الله عليه وسلم حطا من قدر الزوجة أو إزراء بشأنها، بل كان وضعا للأمور في موضعها الصحيح.
وأكد شيخ الأزهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن فتح باب الغلاء في المهور أو المغالاة في تقديرها - يحول هذا الرمز المعنوي المتعالي على المادة إلى كونه سعرا أو «ثمنا» تقدر به سلعة من سلع السوق التي يزيد سعرها ويهبط بالمساومة أو المفاضلة، ويلزم ذلك أن تصبح مهور الطبقة الثرية أقدر على التعبير عن «الحب» أو «الرابطة القلبية» من مهور الطبقات الفقيرة، وهذا خلاف الواقع الذي يثبت استواء الشعور في هذه العاطفة عند الناس، يدلنا على ذلك ما يطالعنا به الواقع بين الحين والآخر من أن فتاة من ذوات الثراء يرتبط قلبها بفتى مستور الحال، حيث تشعر بسعادتها في جواره، رغم الفروق المادية الصارخة بينها وبينه، والعكس صحيح كذلك.
وأضاف فضيلته أن النبي صلى الله عليه وسلم شجّع المجتمع المسلم على قلة «المهور» حتى أنه جعل من يسر المهور وقلتها وبساطتها سنة من سننه صلى الله عليه وسلم التشريعية التي يتعلق به طلب شرعي يثاب المسلم على فعله، وإن كان لا يعاقب على تركه، وفي هذا الأمر يقول صلى الله عليه وسلم: «خير الصداق يسراه»، و «إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة»، وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه السنة حين زوج ابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها وكان مهرها درعا وهو شيء بسيط، صلحت مهرا للزواج من سيدة نساء العالمين في الإسلام، وقد زوج صلى الله عليه وسلم امرأة، وقال لها: «رضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت: نعم، فأجاز هذا الزواج».
واختتم فضيلة الإمام الأكبرولاسيما أنه لخطر المغالاة في المهور على بناء الأسرة في المجتمع فكر عمر رضي الله عنه، في سنّ قانون يحدد المهور عند مستوى مقدور عليه عند عامة الناس، مبينا أن قوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20]، ليس تصريحا بجواز زيادة المهور، وإباحة للمغالاة فيها، فهذا ما لا تفيده الآية الكريمة، ذلك أن الآية واردة مورد التشديد على أن مهر الزوجة حق خالص لها، وأنه لا يجوز لزوجها أن يأخذ منه شيئا حتى لو كان الذي أعطاها من المهر قنطارا من ذهب، فهي على سبيل المبالغة في اختصاص المرأة بحق المهر، وليس على سبيل إباحة الزيادة في المهر والمغالاة فيه، حيث يعتبر المهر في شريعة الإسلام هو رمز للدلالة على الصدق في الرغبة والوفاء بالوعد.