مالك السعيد المحامي يكتب.. حتمية وضع قانون للميراث الرقمي بمصر
قضية رأي عامقيمته العالمية 10 تريليونات دولار وعملاته الرقمية 1.2 تريليون
العرب يعتبرونه رفاهية وميراثهم الثقافي والفني منه بالمليارات !!
مطلوب قانون عاجل لتنظيم ملكيته وإدارته بعد الوفاة
بعض الشركات العالمية تتعنت مع الأوصياء بإدارته وتمنع وصول الورثه إلي محتواه
لم تعد مسألة المواريث تقتصر اليوم علي الأموال والمنقولات والعقارات، بل أصبح هناك ما يسمى بالممتلكات الرقمية، مثل الحسابات البريدية، والمواقع إلكترونية، وحسابات البنوك الإلكترونية، ومنصات تداول الأسهم والعملات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومستندات رقمية، والصور والفيديوهات، والرسائل الإلكترونية، والمدونات، والأموال والممتلكات الافتراضية في البنوك والمواقع والألعاب الإلكترونية، حيث أصبحت الأنظمة الرقمية جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، ومن هنا، يبرز أهمية مفهوم "الميراث الرقمي"، كحقوق للأفراد في تصريف ممتلكاتهم الرقمية بعد الوفاة، والتي أصبحت تشكل جزءًا لا يُستهان به من ممتلكات الأشخاص في العصر الحديث، حيث تؤكد الدراسات والتقارير الحديثة وصول حجم الميراث الرقمي عالميًا حوالي 10 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2050.
ويمكن تقسيم الميراث الرقمي إلى أصول المالية الرقمية كالعملات الرقمية مثل "بتكوين" و"إيثيريوم"، والتي بلغت خلال يونيو الماضي حوالي 1.1 تريليون دولار أمريكي، كذلك الحسابات البنكية الرقمية ومحافظ الدفع الرقمية مثل "باي بال" و"فينمو"، وبايونير، كذلك الملفات والبيانات الشخصية، كالصور، ومقاطع الفيديو، والنصوص، والوثائق القانونية، والعمل الفني و الأدبي الرقمي للأشخاص، والممتلكات الافتراضية والأصول التي يملكها الأشخاص في الألعاب الإلكترونية والعوالم الافتراضية، وهي ذات قيمة مالية واقتصادية ضخمة.
يواكب تعاظم أهمية الميراث الرقمي وجود ندرة في الكتابات القانونية حول هذا الموضوع - خاصة في عالمنا العربي- رغم التسارع الرقمي وحجم السوق الذي يحتاج الى ضبط قانوني، فمعظم التشريعات العالمية مازالت تحبو في مجاراة هذا التقدم الرقمي وإشكالاته القانونية المرتبطة بالقواعد المقررة بحماية المستهلك، والحماية من الاحتكار، وتدبير إدارة الأصول الإلكترونية للفرد بعد الوفاة، مما يسبب فراغاً قانونياً كبيراً لضبط المواريث الرقمية، وضبابية كيفية التعامل مع الأصول الرقمية بعد وفاة الأشخاص..
ولا يوجد ثمة قوانين في العالم تنظم الميراث الرقمي ، فقط لائحة هنا أو هناك تسمح للفرد بالتوصية بالوصول لتركته الرقمية وإدارتها، والكثير من المنصات الإلكترونية تطلب موافقة مباشرة من المستخدمين، أو بيانات الوصول لتسليم الحسابات بعد الوفاة، ما يسبب صعوبات لورثتهم، وقد ترفض بعض المنصات إتاحة الوصول إلى الحسابات الشخصية، المتاح فقط برتوكولات لتنظيم حق للفرد في التوصية بالإدارة أو التملك لميراثه الرقمي بعد وفاته، وهو ما لا تتيحه معظم المنصات الرقمية، وتختلف البروتوكولات المتعلقة بالميراث الرقمي من دولة إلى أخرى، ففي بعض الولايات الأمريكية يتاح للأفراد التوصية لآخرين بإدارة حساباتهم الرقمية بعد وفاتهم، وكذلك اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في أوربا والتي تتيح للأفراد تحديد ما يحدث لبياناتهم الشخصية بعد وفاتهم، وفي المملكة المتحدة " يطبق قانون الوصول إلى الحسابات الرقمية"، وهناك مشروعات "قانون الميراث الرقمي" قيد الإعداد، أما في أستراليا تسعى الحكومة إلى تعديل القوانين لتمكين الأفراد من إدارة أصولهم الرقمية بعد الوفاة.
أما في المنطقة العربية.. هناك تحديات قانونية وثقافية فيما يتعلق بالميراث الرقمي، حيث تفتقر إلى قوانين تنظم الميراث الرقمي، ولا تزال تعتمد على المفاهيم القديمة للميراث، كما تواجه المجتمعات العربية صعوبة في تقبل فكرة الإرث الرقمي، نظرًا للقيم الثقافية التي تركز على الميراث المادي وتعتبر الأمور الرقمية، من قبيل الترفيه .
إن حتمية إصدار قانون للميراث الرقمي أصبح من الأمور الملحة في ظل التطور التكنولوجي الكبير واعتماد الأفراد على الأصول الرقمية في حياتهم اليومية.. و في هذا السياق لا بد من مراعاة توصيات جوهرية بشأن إصدار قانون الميراث الرقمي.
تعريفً شامل للأصول الرقمية يساعد في تحديد الأصول التي يتم التعامل معها.
ضمان حقوق الأفراد في الأصول الرقمية بعد الوفاة،إ ليتمكن الورثة من الوصول إلى هذه الأصول بطريقة آمنة وموافقة للقانون.
السماح للأفراد بكتابة "وصايا رقمية" حول كيفية التعامل مع حساباتهم الرقمية، مثل نقلها إلى الورثة أو إغلاقها، وتحديد حق الوصول إلى العملات الرقمية والأصول الأخرى والتصرف فيها.
وضع آلية واضحة لمعالجة الأصول الرقمية بعد وفاة صاحبها تشمل تحديد نقل الملكية وبيع وتمليك الأصول الرقمية بناءً على رغبة الشخص المتوفى.
وضع إطار تنظيمي بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى (مثل جوجل وفيسبوك وأمازون) لضمان تنفيذ توجيهات الوصايا الرقمية، وقبول أدوات للتحقق من الهوية لضمان التعامل مع الورثة الشرعيين.
برامج توعية للورثة حول كيفية إدارة الأصول الرقمية، مثل كيفية الوصول إلى الحسابات المشفرة والحسابات الاجتماعية الخاصة بالمتوفى، تشمل كيفية استخدام مفاتيح خاصة للعملات المشفرة وأدوات للوصول إلى الحسابات الرقمية.
بروتوكولات خاصة للتعامل مع القوانين المحلية والدولية في حالات التوريث، خاصة إذا كان المتوفى يمتلك أصولًا رقمية تتعلق بدول متعددة..
احترام خصوصية الأفراد وحماية بياناتهم الشخصية، ونقل الأصول الرقمية تحت إشراف قانوني دقيق، مع ضمان أن المعلومات الحساسة لا يتم استغلالها.
استحداث محاكم أو قضاء رقمي مختص للتعامل مع المنازعات المتعلقة بالميراث الرقمي، لضمان تسوية النزاعات بشكل سريع وفعال.
تطوير طرق إلكترونية للمصادقة على الوصايا الرقمية، مثل التوقيع الرقمي أو التوثيق البيومتري، لتسهيل الوصول إلى الأصول الرقمية بعد الوفاة، وتسريع إجراءات الميراث.
تضمين قانون الميراث الرقمي أطرًا للتعامل مع الأصول الرقمية، مثل الأراضي الافتراضية، والبطاقات الرقمية،و العناصر داخل الألعاب. وحقوق الورثة في امتلاك وتداول هذه الأصول.
مراعاة افتقار البنية القانونية في الدول العربية إلى قوانين رقمية متطورة، وهو ما قد يعيق تأسيس إطار قانوني شامل للميراث الرقمي.
مراعاة الثقافات الدينية والقانونية في كيفية التعامل مع الأصول الرقمية بعد الوفاة، ما يتطلب توجيهًا دقيقًا في الصياغة القانونية.
مراعاة قلة الوعي حول الأهمية القانونية للميراث الرقمي، ما يستلزم جهدًا في التثقيف.
بالنهاية ..فإن إصدار قانون للميراث الرقمي في المنطقة العربية يجب أن يكون خطوة هامة لتأمين حقوق الأفراد بعد وفاتهم، من خلال تنظيم وتحقيق العدالة في التعامل مع الأصول الرقمية. يعتمد نجاح هذا القانون على التكيف مع التحديات الثقافية والتكنولوجية، وضمان الحماية القانونية للورثة في بيئة رقمية سريعة التغيير