الجوائز السياحية الوهمية… بين غياب المعايير والتربح المالي
قضية رأي عامالجوائز الوهمية في قطاع السياحة العربي يقدمها من لا يملك لمن لا يستحقالاتحادات والهيئات الخاصة: الباب الخلفي للجوائز
تقديم جائزة لأفضل مسؤول حكومي بعد توليه منصبه بآيام معدودة!
في السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة منح الجوائز السياحية للفنادق والشخصيات في قطاع السياحة والتراث موضوعًا يثير الكثير من التساؤلات. بينما تسعى الجوائز الرسمية المرموقة إلى تكريم التميز والجودة في القطاع، بدأت العديد من الاتحادات والهيئات العربية الخاصة وغير الرسمية في تقديم جوائز تبدو في ظاهرها لتعزيز الأداء السياحي، لكنها في الواقع تفتقر إلى المعايير الواضحة وآليات التقييم المحايدة. هذه الجوائز باتت تمنح لفنادق وشخصيات دون أي معايير محددة، مما أضرّ بمصداقية الجوائز وأثار شكوكًا حول احتمالية كونها وسيلة للتربح المالي.
جوائز دون معايير
في العديد من المناسبات السياحية، تبرز فنادق متواضعة الخدمات تتلقى جوائز كـ”أفضل فندق عربي” أو “أفضل خدمة سياحية”، في تناقض صارخ مع تجارب السائحين التي تُظهر عدم رضاهم عن مستوى الخدمة المقدمة. أحد الأمثلة الصارخة، والذي يسلط الضوء على تفشي هذه الظاهرة، هو منح جائزة رفيعة لفندق معروف بتقديم خدمات متواضعة وعدم اهتمامه بتجارب النزلاء، ومع ذلك نجده يتصدر قوائم الجوائز في الاحتفالات السنوية.
في السياق ذاته، تُمنح الجوائز أيضًا لشخصيات لا تمتلك أي تأثير حقيقي في صناعة السياحة، بعضها لا يُعرف لها أي دور فعلي، بل مجرد أسماء تظهر فجأة في الساحة السياحية بفضل هذه الجوائز. هذا يشير إلى غياب الشفافية في آليات اختيار الفائزين، حيث يتم تغليب المصالح الشخصية أو الترويج لمصالح جهات معينة على حساب تكريم المتميزين فعليًا.
ابواب خلفية للجوائز
عند تحليل هذه الظاهرة، تبرز بعض الاتحادات والهيئات العربية الخاصة وغير الرسمية التي تستغل هذه الجوائز كأداة لتعزيز حضورها والتربح من ورائها. هذه الاتحادات، التي لا تمتلك في الغالب أي تفويض رسمي أو معايير موثوقة لتقييم الأداء السياحي، بدأت بتنظيم حفلات توزيع الجوائز دون معايير شفافة أو لجان تحكيم مستقلة. نجد بعض الهيئات توزع الجوائز في احتفالات يغيب عنها كبار العاملين في القطاع السياحي، مما يثير تساؤلات حول مصداقية هذه الجوائز.
إحدى هذه الهيئات، التي لن نذكر اسمها بشكل صريح، أضحت محط انتقادات واسعة بسبب جوائزها التي تُمنح لشخصيات وفنادق غير معروفة على الساحة السياحية.
ففي العامين الماضيين، وخاصة في 2023 و2024، تم تقديم جوائز لشخصيات غير معروفة ولا تحمل أي مساهمة واضحة في تنمية السياحة، مما يزيد الشكوك حول الهدف من وراء تلك الجوائز، بل وتخطى الامر حدود الشخصيات الغير معروفة لشخصيات سيئة السمعة تستخدم مثل هذه الجوائز لتلميع صورها اما المجتمعات المحلية والعربية.
نجد أيضًا اتحادًا آخر ينشط في تقديم الجوائز لجهات وشخصيات من دول إفريقيا وآسيا، وقد منح مؤخرًا جوائز لعدد من الشخصيات المسؤولين في بعض القطاعات السياحية عقب توليهم مناصبهم باسبوع واحد وهي فترة لا يستطيع اي شخص ان يحكم من خلالها على مسيرة مسؤول انه الافضل في عضون ايام قليلة من توليه المنصب. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يُمنح هؤلاء الجوائز؟ ومن يقرر أنهم يستحقون التكريم؟ وهل ما يحدث ينطبق عليه مقولة : اعطاء من لا يملك لمن لا يستحق!!!
هل الجوائز مدفوعة الثمن؟
أحد الأسباب الأكثر خطورة التي تثير القلق حول مصداقية هذه الجوائز هو الاحتمالية المتزايدة بأن تكون الجوائز مدفوعة الثمن. هناك تقارير غير رسمية تشير إلى أن بعض الجهات التي تنظم هذه الجوائز تقوم ببيع الجوائز بمبالغ مالية ضخمة أو تقدمها كجزء من رعاية مالية للاحتفالات. بمعنى آخر، يحصل الفائز على الجائزة بناءً على مساهمته المالية، وليس بناءً على تقييم موضوعي لأدائه، او بقدر التسهيلات التي يمكن ان يقدمها لتلك الجهات المانحة للجوائز الوهمية.
هذه الشبهات بدأت تؤثر سلبًا على سمعة الجوائز السياحية في العالم العربي، حيث بات العديد من الفنادق والشخصيات الحقيقية ذات التأثير الإيجابي في القطاع يرفضون المشاركة أو الترشح لهذه الجوائز، خوفًا من أن تُمس سمعتهم بارتباطهم بجوائز غير موثوقة.
نتائج سلبية على القطاع السياحي
منح جوائز بلا معايير واضحة أو مصداقية لا يؤثر فقط على سمعة الجوائز، بل أيضًا على القطاع السياحي ككل. عندما يحصل فندق ذو خدمات متواضعة على جائزة رفيعة، فإن ذلك يؤثر على توقعات السائحين ويشوه صورة السياحة العربية. كذلك، عندما تُمنح الجوائز لشخصيات بلا تأثير، فإن ذلك يقوض الجهود المبذولة لتطوير القطاع ويقلل من فرص تكريم الأفراد والمؤسسات الذين يعملون بجد لتحسين السياحة في العالم العربي.
ضرورة الاصلاح والشفافية
من أجل استعادة مصداقية الجوائز السياحية في العالم العربي، هناك دعوات متزايدة لاعتماد معايير شفافة وعادلة لمنح الجوائز، وإشراك لجان تحكيم مستقلة ذات خبرة فعلية في المجال السياحي. يجب أن يتم وضع معايير دقيقة لتقييم الفنادق والشركات السياحية والشخصيات المرشحة، بالإضافة إلى ضرورة توضيح آليات التقييم بشكل علني.
كما يجب على المؤسسات السياحية رفض المشاركة في الجوائز التي تفتقر إلى المصداقية أو التي تثار حولها شكوك التربح المالي. وبهذه الطريقة، يمكن تعزيز مصداقية الجوائز السياحية وتشجيع التميز الحقيقي في القطاع.
تدخل سريع وعاجل
إن ظاهرة منح الجوائز السياحية الوهمية تضعف الجهود الحقيقية لتطوير السياحة في العالم العربي. ومن أجل الحفاظ على نزاهة القطاع، يتطلب الأمر تدخلًا سريعًا وواضحًا لتطبيق معايير شفافة وموثوقة في منح الجوائز. فقط من خلال الشفافية، يمكن استعادة الثقة في الجوائز وتكريم المستحقين فعلاً، وليس بناءً على مساهمات مالية أو علاقات شخصية.