”الإمام الطيب”: العدل قيمة أخلاقية يعول عليها الإسلام في تشريعاته وأوامره ونواهيه
سماح رضاذكر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن قيمة "العدل" هي قيمة عليا من قيم الأخلاق، يعول عليها الإسلام في تشريعاته وتكاليفه فضلا عن أوامره ونواهيه، لما لها من أهمية قصوى في فهم مبادئ المساواة في الإسلام بين الناس عامة وبين الرجل وزوجته وأسرته بخاصة، وذلك كي ترتبط النتائج بالمقدمات في هذه القضية ارتباطا منطقيا.. مؤكدا أن ما نريد الوصول إليه من هذا التحليل هو أنه إذا كانت تشريعات القرآن الكريم تستند إلى مبادئ أخلاقية وإنسانية، ومنها مبدأ تحقيق العدل والعدالة، وما يتطلبه هذا المبدأ من تحقيق المساواة بين الناس فمن المستحيل أن يأتي تشريع قرآني يأخذ في حسبانه كل هذا التأصيل، ثم يزعم زاعمون أن هذا التشريع قد صادر على الزوجة حقها في المساواة مع زوجها، ويضربون لذلك مثلا حق القوامة والإرث.
وأضاف شيخ الأزهر - خلال الحلقة السابعة من برنامج "الإمام الطيب" بعنوان "فلسفة المساواة في الإسلام 2" - أنه سيعمل خلال الحلقة الحالية على بيان مركزية ميزان العدل في التعامل بين الناس: حكما ومعاملة ومساواة في الحقوق والواجبات ليتم لنا بعد ذلك ارتباط المساواة بالعدل، ارتباطا وثيقا، وأن المساواة بين الزوجين في القوامة والميراث وتولي الوظائف العامة، كالقضاء، ليست من باب المساواة العادلة التي يقتضيها العدل، بل هي من باب المحاباة لطرف والظلم لطرف آخر، والظلم والمحاباة رذيلتان لا يجتمع معهما عدل ولا عدالة، ولا تصح بين طرفيها مساواة.
وأشار إلى أن المساواة تنقلب إلى مسمى آخر غير مسماها الحقيقي، ويتبدل العدل إلى نقيضه، وأما النصوص التي تأمر بتطبيق مبدأ العدل بين الناس فهي نصوص صريحة، قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وقد وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وذلك في مثل قوله تعالى "وأمرت لأعدل بينكم"، و"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى"، و"وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"، وقوله تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
وأضاف الإمام الأكبر أن هذه النصوص وأمثالها لم ترد مورد الوعظ والإرشاد والترغيب في فضائل الأعمال، بل وردت مورد التعاليم التي لا مفر من الالتزام بها في سياسة الأفراد والمجتمعات، وقد نزلت هذه التعاليم إلى واقع الأمة الإسلامية الأولى لتضبطه وتوجهه وتحميه من عواقب البغي والتسلط ومظالم العباد، مما يعجب له الباحث المنصف وهو يطالع أخبار الولاة والأمراء في تطبيق مبدأ العدل والمساواة على الخارجين عن القانون، كائنة ما كانت منزلتهم، من السلطان، أو الجاه، أو الثراء، وهذه العبقرية في تطبيق مبدأ العدل والمساواة رغم ما يكتنف ظروف التطبيق من صعوبات وموانع وتعقيدات بالغة.. وتابع "أن تاريخنا حافل بالنماذج العظيمة في تطبيق المساواة والعدل".
هذا وقد اختتم فضيلته الحلقة السابعة بأن الفاروق عمر قد ضرب أيضا أروع الأمثلة في تحقيق العدل والمساواة في قصة الأمير "جبلة بن الأيهم" أحد أمراء الغساسنة العرب المسيحيين، والذي قرر الانضواء إلى بني قومه العرب والتخلي عن ملكه في ظل الدولة الرومانية، والدخول في الإسلام، حين اقتص لأحد عامة الناس منه رغم أنه من أمراء الغساسنة، ورغم أنه كان بوسعه أن يتغاضى عن اللطمة التي وجهها الأمير إلى هذا الفقير من "بني فزارة"، ويتجاهل شكواه ويغض الطرف عن أنفه المجروح، لقاء ما يعود على دولة الإسلام والمسلمين من دعم سياسي ومكاسب ومصالح اقتصادية واجتماعية من إيمان الأمير وقومه، حسب أقوال عديدة لبعض الأوروبيين الذين اتهموه بضيق النظر، والفكر المحدود في التعامل عن الموقف، والذي تسبب في فرار جلبة إلى الروم وخروجه من الإسلام، غير أن الميزان الذي كان بين عينيه، وهو يحكم في هذا الأمر، مختلف أشد الاختلاف عن الميزان الذي استند إليه هؤلاء اللائمون، فقد كان من طينة أخرى، وطبيعة شديدة الألم من ظلم الظالم، شديدة الخجل من خذلان المظلوم.