45 عامًا على رحيل العندليب.. مواقف فى حياة الفنان عبد الحليم حافظ
يمر اليوم 45 عاما على رحيل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذى رحل عن عالمنا بجسده فى مثل هذا اليوم الموافق 30 مارس من عام 1977 ولكنه بقى وسيبقى للأبد بفنه وإبداعه العابر للأجيال والأماكن والأزمان.
العندليب الأسمر التى كانت حياته سلسلة من الآلام والأوجاع والنجاحات وقصص الحب التى لم تكتمل، والتى امتلأت بالغرائب والمفارقات والأحداث التى لا يعرفها الكثيرون.
وكان أول هذه المفارقات حادث مشئوم دفعه إلى طريق الفن وكتب عنه العندليب مقالاً نادراً بإحدى المجلات الفنية عام 1954 تحت عنوان "حادث مشئوم صنع مستقبلى"
وأشار العندليب خلال هذا المقال إلى أنه كان في سن التاسعة من عمره يقلد المطربين ويثير إعجاب من حوله بهذا التقليد ، ولكنه لم يكن يتوقع أن يصبح مطرباً، حيث كانت أسرته تتمنى أن يصبح طبيبا أو محاميا أو مهندسا، خاصة بعد أن ألتحق شقيقه الأكبر إسماعيل شبانة بمعهد فؤاد للموسيقى ليكون مطربا، ولم ترغب بأن يحذو حليم حذوه.
وأوضح العندليب قائلا:" وقتها كنت طالبا في مدرسة الزقازيق الابتدائية وكان أخى إسماعيل يعلمنى ما يتعلمه في المعهد وبهذه الطريقة استطعت أن أصبح رئيس فريق الموسيقى في المدرسة"
وأشار إلى حادث وقع له وهو في الصف الرابع حين كان يلعب مع عدد من أصدقائه فسقط من الدور الثانى فكسرت ساقه، وحملته عربة الإسعاف إلى المستشفى حيث أصيب بغيبوبة، ولم يكن يتحرك أو يتكلم أو يشعر بما يدور حوله.
وأضاف العندليب:" نقلونى إلى القاهرة لخطورة حالتى حتى يتم علاجى في أحد مستشفياتها وأكد الأطباء أننى يجب أن أمكث في السرير سبعة أشهر كاملة"
وفى القاهرة كان شقيقه إسماعيل يذهب لزيارته يوميا ومعه كتب الموسيقى ومؤلفات عن الغناء وتحسنت حالة حليم واستطاع أن يتحرك قليلا باستخدام عصا، وقبل خروجه من المستشفى بأسبوعين أخبره شقيقه إسماعيل أنه قدم له طلبا للالتحاق بمعهد الموسيقى لأنه لاحظ شغفه بها.
وقال حليم :"فرحت بهذا الخبر وأحسست أننى أريد القفز من فراشى، وأقنع إسماعيل الأسرة، وبالفعل درست في معهد فؤاد للموسيقى ثلاث سنوات، وتعرفت على زميلى كمال الطويل ومهد لى السبيل بعد أن سمع صوتى وأكد أننى سأكون مطربا ناجحا، وأسمعنى ألحانه وقلت له انه سيكون موسيقار كبير، وأصبح يضع لى ألحانا لأغنيها، وصرنا لا نفترق، ثم تخرجنا من المعهد وعينت مدرساً للموسيقى في طنطا وانتقلت منها إلى الزقازيق ، وقدمت طلبا للانتقال للقاهرة" ، وهكذا بدأ العندليب مشواره الفنى بحادث.
ومن بين المواقف الغريبة التى حدثت للعندليب موقفا كانت طرفاً فيه الفنانة الكبيرة فايزة أحمد وبعده أصبح يخشى من دعائها عليه ويؤمن بأنها مستجابة الدعوة.
ففى إحدى الحفلات التى كان مقررًا أن يشارك فيها العندليب بالغناء فى المغرب بمناسبة الاحتفال بالعيد الملكى قابله أحد الصحفيين المصريين فى صالون الفندق الذى يقيم فيه، وقال له إن الفنانة فايزة أحمد فى أشد حالات الغضب والثورة عليه، لأنها تتهمه بأنه هو السبب فى منعها من المجيء للمغرب، فضحك عبدالحليم وقال: "سبحان الله أنا الذى منعت 7 سنوات من دخول المغرب ووضعت أنا وأغنياتى على اللائحة السوداء يتم إتهامى بأنى أمنع الناس من المجيء للمغرب، وكيف هل أنا الحاكم فى هذا البلد؟".
وأوضح الصحفى أن فايزة أحمد قالت إن عبد الحليم يتولى مسئولية التعاقد مع الفنانين الذين يشاركون فى الحفلات المقامة بالمغرب، وتقول إن حليم يغار منها لأنها عندما سافرت للمشاركة فى هذه الاحتفالات عام 1961 حققت نجاحا كبيرًا وتفاعل معها الجمهور بشكل لافت ولهذا السبب لا يريد مشاركتها فى أى حفلة يكون فيها.
وقال الصحفى لعبد الحليم كل ما أغضب فايزة أحمد فأقسم العندليب بأن شيئًا من هذا لم يحدث وأنه لا يكن لفايزة سوى كل احترام ومودة ولا يريدها أن تسيء الظن به لأن وزارة الإعلام هى التى كانت تفوضه بالتعاقد مع الفنانين الذين تريدهم أن يشتركوا فى حفلات المغرب دون أن تترك له حرية اختيارهم.
فضحك الصحفى وقال: "على العموم فايزة بتدعى عليكم وتقول إن دعوتها مستجابة وأنكم لن توفقوا فى حفلاتكم"، وما أن هل صباح اليوم التالى حتى شهدت المغرب إنقلاب الصخيرات عام 1971 وألغيت كل الحفلات التى جاء الفنانون من مصر ولبنان للمشاركة فيها، فعادوا إلى بلادهم.
وعاد عبد الحليم حزينًا، وعندما وصل إلى القاهرة تذكر فايزة أحمد ، وأخذ يقسم لكل من يراه أنه برئ من تهمة إبعادها عن حفلات المغرب، بل أنه من أجل إقناعها قرر أن يعتذر لوزارة الإعلام المغربية عن عدم استطاعته أن يكون وسيطا بينها وبين الفنانين حتى لا يتوهم أحد أنه المتحكم فى اختيار المشاركين فى هذه الحفلات، وتودد العندليب لفايزة أحمد حتى يصالحها خوفا من دعوتها المستجابة.
ومن المعروف أن العندليب عانى طوال حياته من آلام المرض ورغم ذلك كان يقاوم آلامه ليبدع ويغنى ويطرب الملايين .
ولكن كان للعندليب بعض الطقوس التى لا يعرفها الكثيرون والتى اعتقد أنها تخفف آلامه وتساعده على استكمال مسيرته، وفى أحد حوارات العندليب الصحفية التى أجراها عام 1958 كشف عن سرأيقونة فضية خففت آلامه حين كان فى رحلة علاجه بلندن.
وقال العندليب أنه كان يستعد لإجراء جراحة بينما كانت أمعائه تؤلمه، وظلت هذه الآلام الحادة تلازمه حتى دخل غرفة العمليات وحتى بعد خروجه منها ، وخاصة مع زوال تأثير البنج حيث تضاعفت هذه الآلام.
وأشار العندليب إلى أنه أرسل إلى أسرته فى القاهرة برقية ، يطلب فيها من شقيقه اسماعيل أن يزور كنيسة القديسة تريزا ويرسل له منها أيقونة صغيرة.
وبالفعل نفذ اسماعيل شبانة طلب أخيه العندليب، وزار الكنيسة وأرسل لشقيقه الأيقونة الفضية.
وأكد العندليب أنه ما إن وضع الأيقونة الصغيرة فى فراشه حتى هدأت حدة الألم.
ومن يومها ما كانت سيارة العندليب تمر فى شوارع شبرا حتى كان ينزل منها ليزور كنيسة القديسة تريزا زيارة شكر ويضيء لها شمعة.