ماكرون أو لوبن؟.. الفرنسيون على موعد مع أكبر انتخابات أوروبية وسط مخاوف من عزوف الناخبين
الفرنسيون على موعد مع أكبر انتخابات في أوروبا هذا العام، يوم 10 أبريل الجاري، حيث سيتوجه نحو 50 مليون ناخباً إلى مراكز الاقتراع لينتخبوا من بين 12 مرشحاً لرئاسة بلادهم، ويقرروا ما إذا كانوا سيمنحون أصواتهم إلى إيمانويل ماكرون ليفوز بفترة ولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، أم يغيرون وجه فرنسا السياسي، كما حدث من قبل مع الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند.
تقوم استطلاعات الرأي المحلية باستطلاع الرأي العام بشكل يومي، وتنتج كميات هائلة من البيانات توفر نظرة ثاقبة للنتيجة المحتملة، وقد توقعت جميعها أن يتكرر سيناريو عام 2017 بصعود أبرز المرشحين إيمانويل ماكرون رئيس (حزب الجمهورية الى الأمام) وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان رئيسة (حزب التجمع الوطني) في الدور الأول يوم 10 أبريل الحالي ثم فوز ماكرون بعرش قصر الإليزيه في الدور الثاني مساء يوم 24 أبريل.
في الواقع، يتمتع الرئيس ماكرون بفارق آمن وفق المراقبون واستطلاعات الرأي التي كشفت نوايا التصويت في الجولة الثانية، بغض النظر عن خصمه وأرجع المشاركون في الاستطلاع ذلك إلى شعورهم بأن المرشحين غير مناسبين كما يتوقعون السياسات نفسها بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
كما لايرى الفرنسيون في برامج خصوم ماكرون أي مصداقية خصوصا وأن أكثرها وعود انتخابية غير قابلة للتحقيق، كما أن هناك رضا نسبي على أداء الرئيس في ادارة البلاد خلال الأزمات سيما الصحية والاقتصادية التي نجح في تحقيق نجاحات كذلك حسن إدارته للأزمة الأوكرانية في الإتحاد الأوروبي الذي يترأسه، بينما يسجل التاريخ للمرة الثانية غياب معسكري اليسار واليمين التقليديين رغم أنهما يشكلان قطبا السياسة الفرنسية. فقد خرج الحزب الاشتراكي ومعه حزب الجمهورية من المشهد السياسي رغم حملات مرشحتيه آن هيدالجو وفاليري بيكريس.
ولهذا أصبح ماكرون الأوفر حظا نظرا للارتياب الشديد حيال الطبقة السياسية ومؤسساتها، فإن غالبية الفرنسيين لا يشعرون بأن هناك فرسان في السياسة الفرنسية يمثلونهم.
وأظهرت دراسة أجراها مؤخرا مركز أبحاث "فوندابول" لتقييم المزاج الوطني العام في فرنسا، بأن البلاد ستواجه أزمة سياسية تتمثل في عزوف الناخبين عن التصويت، لعدم ثقتهم بجميع الأحزاب السياسية. وأن نحو 80% من الناخبين لم تعد لديهم ثقة بالأحزاب السياسية، وأن 40% لم يعد لديهم إحساس بالارتباط بأي حركة. كما أظهر الاستطلاع أن 35% ربما يتركون بطاقة الاقتراع فارغة، في حين أن 26% لا يعتزمون الإدلاء بأصواتهم على الإطلاق. وستكون نسبة المشاركة منخفضة.
وقد يساعد ذلك في إحداث مفاجأة وظهور وجه جديد قد يكون مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون رئيس حزب فرنسا الأبية الذي توقعت بعض الاستطلاعات حصوله على نسبة كبيرة في الدور الأول لكن غير كافية ليفوز برئاسة البلاد، أو حصول مارين لوبن مرشحة حزب التجمع على حظوظ أكبر هذه المرة بعدما تلاشى بريق ماكرون في آخر استطلاعات ، بسبب نسبة الامتناع عن التصوي ومن المحتمل أن يصل إلى مستوى قياسي.
- أوكرانيا وكوفيد تلقيان بظلالهما على رئاسيات فرنسا":
اقرأ أيضاً
- جونسون يبحث هاتفيا الوضع في أوكرانيا مع بايدن وماكرون وشولتز ودراجي
- بدء الحملة الرسمية الانتخابات الرئاسية فى فرنسا
- مخاوف غربية من استخدام أسلحة الدمار الشامل فى حرب أوكرانيا
- بوتين يتّهم أوكرانيا بارتكابها ”جرائم حرب” خلال اتصاله مع ماكرون
- مخاوف أممية من مجاعة تضرب اليمن بسبب تعنت الحوثي.. تقرير مشترك لـ«يونيسيف» و«فاو» يكشف حجم الكارثة
- ماكرون: يجب وقف الحرب فى أوكرانيا ومنعها من التحول لحرب عالمية
- ألمانيا: الحرب الأوكرانية تثير مخاوف حول الأمن الغذائي العالمي
هناك قلق عام من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي يعتبرها الفرنسيون تهديدًا خطيراً لأمن واستقرار القارة الأوروبية، لذا ألقت أزمتا أوكرانيا وكوفيد بظلالهما بقوة على الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وتفاعل المرشحون إزاء الأزمة الأوكرانية، لاسيما منذ قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال "جمهوريتي" لوجانسك ودونيتسك الانفصاليتين والمواليتين لموسكو ثم محاولات غزو أوكرانيا.
واجتمع كافة المرشحون على موقف واحد هو الإدانة وضرورة معاقبة روسيا، ودعا غالبيتهم إلى اتخاذ مواقف صارمة إزاء سيد الكرملين، ووصفت مرشحة "الحزب الاشتراكي" الفرنسي آن هيدالجو، حرب أوكرانيا بأنها تشكل خرقا سافرا للقرار الدولي وسيادة أوكرانيا. وطالبت فرنسا وأوروبا أن تتضامنان لوقف تصرفات روسيا التي تهدد الأمن في القارة.
من جهته، اعتبر مرشح حزب البيئة يانيك جادو، أن الحرب “اغتصاب” لسيادة الأراضي الأوكرانية. ودعا إلى رد أوروبي وفرنسي صارم ودون أي تهاون، مطالبا بفرض مزيد من العقوبات ضد المسؤولين الذين اتخذوا هذا القرار، وتجميد أملاكهم المالية والعقارية في أوروبا.
أما جان لوك ميلنشون، مرشح حزب "فرنسا الآبية"، فاعتبر أن روسيا " تجاوزت الحدود" ويجب أن تدفع الثمن. وبالمقابل، انتقد ميلنشون "حصيلة الرئيس ماكرون فيما يتعلق بالملف الأوكراني"، داعيا رئيس الحكومة إلى تقديم تفسيرات أوفر حول هذا الموضوع أمام البرلمان.
في نفس السياق، وصف فابيان روسيل مرشح "الحزب الشيوعي"، قرار بوتين بـ"الخطير جدا"، داعيا إلى "القيام بكل شيء لنزع فتيل الحرب التي اشتعلت في أبواب أوروبا .أما فاليري بيكريس مرشحة حزب "الجمهوريون" فدعت إلى "شجب عملية خرق القانون الدولي واتفاقيات مينسك"، وقالت: "يجب على دول الاتحاد الأوروبي أن تتفق فيما بينها لفرض عقوبات اقتصادية قوية ومركزة ضد روسيا لحثها على التراجع على تنفيذ هجومها العسكري ضد أوكرانيا"، فيما فضل الرئيس ماكرون أطلاق حوارا مع بوتين ولكنه انتقد قراره داعيا إلى فرض عقوبات اقتصادية أوروبية قاسية ضد موسكو.
موقف ماكرون من فتح قناة اتصال مع بوتين كان على عكس رغبة جميع اعضاء الطبقة السياسية الفرنسية باستثناء لوبن التي تحبذ الحوار، ولكنها أعلنت عن "أسفها إزاء قرار بوتين" داعية إلى "القيام بكل شيء من أجل العودة إلى المفاوضات بهدف ضمان الأمن في أوروبا وأضافت لوبن: "بات واضحا الآن بأن الحل يمر عبر تنظيم مؤتمر دولي تشارك فيه الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا فضلا عن بولندا والمجر وسلوفاكيا وجميع الدول المجاورة لأوكرانيا
ودعا إيريك زمور مرشح حزب "الاسترداد" (اليمين المتطرف) إلى "تجنب الحرب الجديدة" بشتى الطرق، مشيرا إلى أن "العقوبات التي اتخذتها واشنطن لن تكون مجدية وضد مصالح أوروبا الاقتصادية". كما اقترح اتفاقا يقضي بـ "إنهاء" توسع الحلف الأطلسي لشرق أوروبا.
- لوبن يمكنها أن تفوز:
دق أدوار فيليب رئيس الوزراء السابق في حكومة ماكرون ناقوس الخطر حينما أعلن بأن "مارين لوبن يمكنها ان تفوز" بعد ان أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تقاربا في فارق الأصوات المتوقع في حال وصلها للدور الثاني وقد أظهرت آخر التوقعات فوز الرئيس المرشح بـ%54 من الأصوات لقاء %46 لصالح زعيمة اليمين المتطرف. وأن صعودها يشكل مصدر قلق في معسكر ماكرون. هذا وتعول لوبن كثيرا على تعبئة مناصريها لكي تقلب الطاولة على الرئيس الحالي.
كما أشار المراقبون إلى أنها ستجرى نقاشا مباشرا مع ماكرون بين الدورتين. وقالت لوبن أن الشعب الفرنسي هو الذي سيحدد اسم الفائز. لكن إذا لم يصوت فلم يدافع عنه، أشخاص آخرون يملكون مصالح مختلفة عن مصالح الشعب ". وتابعت: "بعض الفرنسيين وقعوا ضحية اعتقاد يسوقه الإعلام ومفاده أن الانتخابات الرئاسية محسومة مسبقا. لكن في الحقيقة العكس هو الصحيح لأنها انتخابات مفتوحة وغير محسومة". وعن الاختلافات مع إريك زمور، قالت بأن زمور" يحارب الإسلام" بينما أنا "أحارب الإيديولوجية الإسلامية المتطرفة فقط"، موضحة أن "مشروع زمور عنيف في الشكل ومحدود في المضمون".
- صراع بين لوبن وميلنشون:
أما بخصوص مرشح حزب "فرنسا الآبية" (أقصى اليسار) جان لوك ميلنشون، فأكدت مارين لوبن أن "ميلنشون فقد المصداقية بعد أن تخلى عن النزعة العالمية التي تتغذى بالفكر الجمهوري لصالح الفكر الطائفي. كما أنه ضحى بالفكر العلماني لصالح الفكر الإسلامي اليساري"، وعلقت على تأهل ماكرون وميلنشون إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بأنه يشكل كابوسا لملايين الفرنسيين. لهذا ستقوم بقطع الطريق أمامه".
في الواقع ، تحول حزب "التجمع الوطني"، الجبهة الوطنية سابقا التي أسسها والدها جان ماري لوبن، منذ الثمانينيات إلى قوة سياسية ذات نفوذ متصاعد غير أن هذا الواقع لم يترجم فوزا كبيرا في أي انتخابات، خصوصا بسبب اتحاد الأحزاب السياسية الأخرى معا في معارضتها لخط الجبهة الوطنية المتطرف التي كانت منحرفة لكن لوبن في ثوبها الجديد اتخذت نهجا عقلانيا بعد أن تخلت عن رجال النازية في حزبها وأفكارهم.
- زمور: أنا المرشح الوحيد القادر على الحفاظ على هوية وثقافة فرنسا:
قال مرشح حزب استرداد فرنسا العنصري ايريك زمور إنه يرى نفسه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لأنه يحمل أراء وبرنامجا ينقذ الفرنسيين من انهيار النظام التعليمي وغزو المهاجرين وتدهور المستوى الاقتصادي للعائلات. ويرى أن حزبه هو الأولى بأصوات الناخبين المنتسبين للأحزاب اليمينية معتبرا أن منافسته بيكراس ستخون مناصريها عندما ستدعوهم للتصويت لصالح ماكرون في حال اقصائها في الدور الأول. واعتبر أن عدم انتخابه سيكون خسارة لفرنسا، لأنه في حال إعادة انتخاب ماكرون سيعيش الفرنسيون مرة أخرى زيادة في أعمال العنف والجرائم، ووصول مليوني أجنبي إلى فرنسا خلال السنوات المقبلة وارتفاعا في الضرائب إضافة إلى احتمال تحول فرنسا إلى بلد إفريقي مسلم حسب تعبيره.
- ماهي التزامات المرشحين نحو فلسطين؟
لن نخوض في برامج المرشحين الداخلية التي تتشابه أغلبها في التشديد على المسلمين والمهاجرين وزيادة الرقابة الأمنية ومنح مزيد من السلطات للأجهزة الاستخبارية ولكننا نعرض استبيانًا حول أبرز القضايا التي تتعلق بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
في الواقع، جميع المرشحين مع ولادة دولة فلسطين لكن تتباين فيما بينهم نسب الحماسة والصدق، فقد أكد ماكرون أنه من الضروري البحث عن "شروط سلام عادل ودائم ، مما يسمح للدولتين بالتعايش بأمان ولابد من بناء دولة فلسطين وأكد أن "أمن إسرائيل هو مبدأ غير ملموس بالنسبة لنا، كما هو الحال بالنسبة لشرعية الدولة الفلسطينية". لكنه أعلن في الإجتماع السنوي السادس والثلاثين لمنظمة الكريف (Crif ) أن "القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي" رغم أن ماكرون ناقض في خطابه قرار الأمم المتحدة، الذي ينفي الصلة بين الشعب اليهودي والحرم القدسي.
وتابع: "من غير المقبول محو نصيب اليهود، في إشارة مباشرة إلى مؤسسات مثل الأمم المتحدة ، التي أصدرت قرارًا في ديسمبر الماضي ينفي العلاقة بين الشعب اليهودي وحرم الهيكل.
كما انتقد ماكرون تقرير منظمة العفو الدولية الذي هاجم اسرائيل من خلال وصفها بمصطلح "الفصل العنصري"، فقال بأنه" تعبير غير صحيح ولكن تدارك، فقال "هذا لا يمنعنا بأي شكل من الأشكال من الاعتراف واحترام ارتباط الديانات الأخرى بهذه المدينة"، وتابع: "لقد أدرك جميع المواطنين أن أملهم الوحيد هو السلام معًا".
وقال ماكرون ذلك عبر لسان رئيس الحكومة جان كاستكس الذي قرأ خطابه بسبب إعتذاره لرئاسة المجلس الأوروبي الاستثنائي في بروكسل لإدارة الأزمة الأوكرانية .
والكريف اختصار للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية ، بمثابة اللوبي الإسرائيلي في فرنسا ، وتتمثل مهمته في تقديم مخاوف واهتمامات اليهود الفرنسيين للسلطات العامة وكذلك رعاية مصالح إسرائيل.
في سياق الانتخابات الرئاسية كما يجرى التقليد لكسب أصوات يهود فرنسا، دافع الرئيس ماكرون عن سجله في مكافحة معاداة السامية، وزعم أن الأعمال المعادية للسامية انخفضت في فرنسا بنسبة 14٪ في عام 2021 مقارنة بعام 2019 ، ودعا إلى "تعبئة عامة" ضد معاداة السامية.
فيما تشير مرشحة الجمهوريون (اليمين التقليدي) فاليري بيكريس في برنامجها إلى أنها ترغب في العمل على "عملية تضمن أمن إسرائيل والأمل للشعب الفلسطيني.