أول قسطرة علاجية على يد الطبيب الألماني جرونتزيج عام 1977م
الدكتور مصطفى المحمدي يكتب:نسبة النجاح تتجاوز 95% و10مليون عملية توسيع شرايين وصمامات سنوياً
تكلمنا في مقال سابق بالتفصيل عن القسطرة التشخيصية وأهميتها في تشخيص وكشف مشكلات القلب والأوعية الدموية، ولتعم الفائدة نستكمل اليوم حديثنا عن القسطرة العلاجية والتي هي واحدة من أهم الإنجازات الطبية في مجال علاج أمراض القلب والأوعية الدموية، وقد أصبحت تمثل خيارًا علاجيًا فعالاً وآمنًا للكثير من المرضى، وهي إجراء طبي يتم فيه إدخال أنبوب رفيع مرن عبر الأوعية الدموية للوصول إلى القلب أو الشرايين التاجية أو أجزاء معينة من الدورة الدموية. يتم ذلك بغرض التشخيص أو العلاج، مثل فتح الشرايين المسدودة، توسيع الصمامات الضيقة، أو معالجة بعض العيوب الخلقية.
تساعد القسطرة العلاجية في علاج العديد من الحالات القلبية، مثل الذبحة الصدرية، الجلطات القلبية، وتضيقات الشرايين التاجية. تتميز هذه الطريقة بكونها أقل تدخلًا من العمليات الجراحية التقليدية، مما يقلل من مدة الاستشفاء ويخفف من المخاطر المرتبطة بالعمليات الجراحية، ومن أهم فوائد القسطرة العلاجية:
تحسين تدفق الدم في الشرايين التاجية.
تقليل الأعراض المرتبطة بأمراض القلب مثل ضيق التنفس والألم الصدري.
الوقاية من الجلطات الحادة التي قد تكون مميتة.
وهناك عدة أنواع من القسطرة العلاجية تُستخدم حسب الحالة:
قسطرة الشرايين التاجية (PCI) وتُستخدم لفتح الشرايين المسدودة باستخدام البالونات والدعامات.
القسطرة الكهربائية للقلب: وتُستخدم لتصحيح اضطرابات نظم القلب مثل الرجفان الأذيني.
قسطرة الصمامات: وتشمل توسيع الصمامات الضيقة أو استبدالها بطرق غير جراحية.
قسطرة علاجية للعيوب الخلقية: تُستخدم لإصلاح تشوهات في القلب مثل ثقوب الحاجز.
أما عن كيفية عمل القسطرة العلاجية، يبدأ الإجراء بتخدير موضعي في منطقة إدخال الأنبوب، عادةً في الشريان الفخذي أو الشريان الكعبري. يتم توجيه القسطرة باستخدام التصوير الشعاعي للوصول إلى المكان المحدد في القلب أو الشرايين. بمجرد الوصول، تُجرى الإجراءات العلاجية مثل توسيع الشرايين أو تركيب الدعامات.
وبالنسبة لبدايات استعمال القسطرة العلاجية، فقد أُجريت أول عملية قسطرة قلبية علاجية ناجحة في عام 1977 بواسطة الطبيب الألماني أندرياس جرونتزيج. كانت تلك العملية ثورة في طب القلب حيث أثبتت فعالية الطريقة في فتح الشرايين التاجية الضيقة دون الحاجة إلى جراحة مفتوحة. منذ ذلك الحين، تطورت التقنيات وأصبحت أكثر دقة وأمانًا.
اما عن عدد إجراءات القسطرة العلاجية عالميًا، في العام الماضي، قدّرت المنظمات الصحية العالمية أن عدد عمليات القسطرة العلاجية المنفذة تجاوز 10 ملايين عملية على مستوى العالم. يأتي هذا الرقم ليؤكد الأهمية الكبيرة لهذه التقنية في علاج أمراض القلب والأوعية الدموية، فالقسطرة العلاجية تمثل أحد أعظم التطورات في الطب الحديث لعلاج مشكلات القلب والأوعية الدموية. بفضل الابتكارات المستمرة، أصبحت هذه الإجراءات أكثر أمانًا وكفاءة، مما ساهم في تحسين حياة الملايين حول العالم
وبالنسبة لرواد الأطباء في مجال القسطرة العلاجية ودورهم في تطور العلاج القلبي، على مر العقود الماضية، ساهم عدد من الأطباء والعلماء في تطوير تقنيات القسطرة العلاجية التي غيّرت مسار علاج أمراض القلب والأوعية الدموية. بفضل جهودهم، تطورت القسطرة العلاجية لتصبح وسيلة فعالة وآمنة لعلاج العديد من الحالات القلبية. في هذا المقال، سنسلط الضوء على بعض هؤلاء الرواد ونستعرض نسبة نجاح القسطرة في علاج المشكلات القلبية.
د. أندرياس جرونتزيج (Andreas Gruentzig): يُعتبر جرونتزيج الأب المؤسس لتقنية القسطرة التداخلية الحديثة. في عام 1977، أجرى أول عملية قسطرة ناجحة باستخدام بالون لتوسيع الشريان التاجي. أحدثت هذه العملية ثورة في علاج أمراض القلب وأثبتت أن التدخل القليل التوغل يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للجراحة.
د. بول دودر (Paul Dudley White): كان من أوائل من قدموا مفاهيم القسطرة التشخيصية للقلب. ساهمت أبحاثه في تعزيز فهمنا لوظائف القلب، ما مهد الطريق لاستخدام القسطرة بشكل موسع.
د. تشارلز داوتشي (Charles Dotter): قدم مفهوم القسطرة الوعائية كعلاج للشرايين المسدودة. في عام 1964، أجرى أول عملية توسعة للشريان باستخدام قسطرة، مما جعله يُعرف بلقب "أبو القسطرة الوعائية".
د. برنارد لون (Bernard Lown): اشتهر بتطوير القسطرة الكهربائية لعلاج اضطرابات نظم القلب، مما ساعد في إنقاذ حياة العديد من المرضى الذين يعانون من الرجفان الأذيني.
وتُعد القسطرة العلاجية واحدة من أنجح التدخلات الطبية لعلاج أمراض القلب. بحسب الدراسات الحديثة، تُظهر القسطرة العلاجية معدلات نجاح تتراوح بين 90% و98% في علاج مشكلات مثل:
فتح الشرايين التاجية المسدودة: تُظهر البيانات أن نسبة نجاح توسيع الشرايين التاجية باستخدام الدعامات تتجاوز 95%.
معالجة اضطرابات النظم القلبي: حققت القسطرة الكهربائية نسب نجاح تصل إلى 90% في تحسين نظم ووظائف القلب.
توسيع الصمامات الضيقة: سجلت عمليات توسيع الصمامات باستخدام البالون نسب نجاح تصل إلى 85-90%.
وبفضل الابتكارات والتقنيات المتقدمة التي أدخلها الرواد في هذا المجال، أصبحت القسطرة العلاجية جزءًا لا يتجزأ من الطب الحديث. فقد ساهمت في تقليل عدد الوفيات المرتبطة بأمراض القلب وأتاحت للمرضى العودة إلى حياتهم الطبيعية بسرعة أكبر مقارنةً بالجراحات التقليدية.
نهاية .. لا يمكن إنكار الأثر الذي تركه هؤلاء الأطباء الرواد على الطب الحديث. بفضل رؤيتهم وجهودهم، تحسنت جودة الرعاية الصحية وتمكنت ملايين الأرواح من الاستفادة من العلاج الفعّال لأمراض القلب والأوعية الدموية.