الأنبا إرميا: البابا شنودة شخصية طبعت بصمات يصعب محوها من صفحات التاريخ
أكد نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، أن مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث شخصية طبعت بقوة بصمات يصعب محوها من على صفحات التاريخ، تمر السنون وتُطوى الأيام، وتبرز شخصيات، وتتوارى أخرى في عالم النسيان، إلا أن هناك شخصيات تظل قابعة في العقول والقلوب ولو اختفت عن الأعين، لافتا إلى أن محبوه لقّبوه في كل مكان: "بابا العرب"، "الذهبيّ الفم"، "أثناسيوس القرن العشرين"، "الأسد المَرقسيّ"، "معلِّم الأجيال"، "البابا الشاعر"، وغيرها من ألقاب أبرزت جوانب من شخصية عجيبة فريدة فذة أثرت في كل من التقاه.
وأضاف نيافة الأنبا إرميا - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط في ذكرى مرور 10 سنوات على رحيل قداسة البابا شنوده الثالث - أتوقف قليلًا عند "البابا شنوده الثالث" "نبع العطاء"، الذي سكب كل إمكاناته ومواهبه بل نفسه في عطاء بلا حدود: أولًا من أجل الله، ثم لكل من حوله، منذ صباه وحتى فراقه عالمنا. أحب "نظير جيد" الله من كل قلبه؛ فملَّكه على حياته، تاركًا العالم، ليحيا الزهد والصلاة والتقشف في عَلاقة به دائمة؛ فيذكر: "كنت أحب زملائي وأمرح معهم، لٰكن داخلي كان معمورًا بشوق كبير إلى حياة أوسع وأعمق من إطار حياتي الجامعية. وكان نزوعي قويًّا إلى الزُّهد في متاع هٰذا العالم، وإلى الرهبنة؛ وليس مرد ذٰلك إلى أنني كنت انطوائيًّا، بل إنني على العكس من ذلك كنت بالغ النجاح في حياتي الاجتماعية، لٰكن الدافع الكامن في أعماقي كان أقوى من كل ما هو معروض أمامي."، وبهذا الاشتياق الإلٰهي انطلق إلى البرّية وحياة الرهبنة والوَحدة، إلى أن أختاره الله ليكون بطريركًا على كرسيّ "مار مرقس الرسول"..
وتابع قائلا، لم يتوقف عطاء "البابا شنوده الثالث" طوال حياته؛ فقد كان مبدؤه الذي وضعه لنفسه منذ شبابه هو إسعاد كل إنسان، وقد عبّر عن ذٰلك: "لقد قررتُ أن أعيش مع الناس وأُسعدهم ما استطعت ما دمت موجودًا بينهم، كنت كلما قابلت أحدًا من أصدقائي أُغمره بحب كبير، وأرفع حجاب الكلفة بيني وبينه؛ ولذا فقد كان لديَّ عدد هائل من الأصدقاء من مراحل الطفولة والصبا والشباب."،
وهٰكذا قدّم إلى مُلتقِيه في الحياة السعادة، والابتسامة التي كانت ظلاًّ لهم يحتمون به من قسوة الحياة.
اقرأ أيضاً
وأشار نيافة الأنبا إرميا إلى أن "البابا شنوده الثالث" حمل قلبًا لا يعرف إلا الحب والشفقة وبخاصة نحو المتألمين والمتعبين؛ فاهتم كثيرًا بإخوة الرب، إن مشاعره الرقيقة كانت تتغلغل أوصاله وجزءًا لا يتجزأ من شخصيته؛ حتى إنه، وهو لم يتعدَّ السابعة عشرة بعد، نظم قصيدة صغيرة قال فيها عن حالة الفقير الذي لا يجد قوته بين أغنياء كثيرين يمتلكون أموالًا فائضة عن حاجاتهم:
حَوْلَهُ الْأَنْهَارُ تَجْرِي وَبِهَا عَذْبُ الْمِيَاه وَهوَ صَادٍ يَتَشَهَّى قَطْرَةً تَشْفِي صَدَاه
جَفَّ مِنْهُ الْحَلْقُ لَكِنْ قَدْ تَنَدَّت مُقْلَتَاهُ بُحَّ مِنْهُ الصَّوْتُ مِن قَوْلِهِ دَوْمًا: آهِ آه
ونوه رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي إلى أنه حين تسلم إدارة أحد ملاجئ الأيتام في سنوات شبابه، قدم إليهم محبة عظيمة حتى إن أبناء الملجإِ كانوا على الرغم من صغر سنه ينادونه: "بابا"!! وقد اهتم بتلبية حاجاتهم، وبإيقاف كل ما يهين كرامتهم الإنسانية أو يسبب لهم آلامًا نفسية، في شفقة مرهفة عليهم. وهٰكذا ظل مدافعًا ومنحازًا إلى الضعفاء يعضدهم ويساندهم، وحين اختارته العناية الإلٰهية بطريركًا، اهتم كثيرًا بخدمة الفقراء والمعوزين فأشرف بنفسه على اجتماعهم الخاص، وأصر على حضوره صباح كل خميس مهما كانت أتعابه وآلامه ومعاناته ومشغولياته. لقد كان حساسًا جدًّا تجاه آلام الناس، يشعر بنواقصهم وعوائزهم فيسارع إلى إغاثتهم بكل ما يملك من إمكانات، مفرّحًا القلوب، راسمًا بسمات على الوجوه.
واختتم حديثه قائلا، لقد امتلأت حياة مثلث الرحمات "البابا شنوده الثالث" بالعطاء، فأخذ يتدفق إلى كل شخص يلتقيه، حتى صار نهرًا يمُد الأرض مِن حوله بالحياة والجمال.